حقيقة نيلسون مانديلا المُغيّبة

1452444_10153630814170722_1488238208_n

     لم يقل لنا حكام الدول المُعزّين الذين تكدّسوا كأطفال الملاهي في مدرجات ملعب جوهانسبيرغ شيئاً عن “رمح الأمة”، واكتفوا بالتقاط الصور مع بعضهم كالبُـلهاء إلى أن انتهى بروتوكول الحِداد، ودائماً ما يتجنب الإعلام الدخول بتفاصيل السرّ الذي جعل مانديلا … مانديلا، بل ونجحوا فعلاَ في إعطاء الرجل صورة نمطية لذلك الأفريقي المظلوم المسكين المحبّ للسلام، فهل هذا هو حقاً نيلسون مانديلا؟؟

      مانديلا هو نقيض غاندي في أدوات النضال، الأول عنفيّ والثاني سلميّ.

     تنظيم “رمح الأمة” هو خلاصة ما توصل إليه ثوّار جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا بعد أن أغلقت حكومة البيض العنصرية الأبواب في وجه الكفاح السلميّ المتمثل بتعديلات دستورية تحقيقاً للمساواة بين المواطنين في الحقوق المدنية، فكانوا أمام خيارين: إما القبول أو القتال، فاختاروا “ذات الشوكة” وقاتلوا.

     أهداف العمل المسلح لهذا التنظيم كانت متناغمة مع الهدف السياسيّ للثوار، العدوّ هو النظام بأركانه وليس سلالات المهاجرين البيض، فبدأوا منذ العام 1961 بشنّ هجمات موجهة ضربوا بها على أعصاب دولة الفصل العنصريّ دون التعرّض للمدنيين، فهاجموا محطات الكهرباء والبريد والمصانع ومنشآت الطاقة ومصافي النفط والمقار العسكرية والمؤسسات الحكومية الإدارية والبنوك وحرقوا المحاصيل الزراعية التي تغذي السلطة و مارسوا الاغتيالات المدروسة طيلة ثلاثين سنة، فأنهكوا النظام ومفاصل دولته، وفككوا تحالفاته الدولية في مقابل التضامن العالمي الواسع مع قضيتهم، صبروا كثيراً على القتل والاعتقال والملاحقة لأن الهدف كان دائماً نصبَ أعينهم، ورضخ السيّد الأبيض … وبالقوّة.

     خلال هذه الفترة من العنف الثوريّ كانت دول الغرب التي حضر قادتها لتقديم واجب العزاء يصنفون الثوّار بإرهابيين ومخربين وقتلة، لكن النفاق السياسيّ يُحتم عليهم تبديل المواقع بعد أن انتصر السود تسعينيات القرن الماضي.

     تجربة مانديلا يجب أن تدرس من غير الزاوية الضيقة المفروضة علينا دون إدراك منا لذلك، وإسقاط هذه التجربة على منطقتنا المنكوبة بشعوبها ونخبها وأنظمتها وعسكرها سيكون ثريّـاً وناجعاً، تحديد الهدف ومن ثمّ اجتراح أدوات لتحقيقه، دون كاتالوجات جاهزة أو وصفات مسبقة.

     رحمَ الله مانديلا، ابن قبيلة كونو وأب جنوب أفريقيا.


Leave a comment